













كتابنا

من أقبح ذرائع الاعتقال الحوثي ذكرى 26 سبتمبر، حيث ارتقى فعل الاحتفاء بها إلى مصاف الزلات المحرمة في شرع المليشيات، وغدت المناسبة مدعاة للزج بالعشرات في المعتقلات، واعتقالهم بطريقة الاختطاف والإخفاء القسري، حتى وإن لم يثبت على الضحايا مظاهر احتفاء سبتمبرية صريحة تتجاوز تعليمات المنع العلنية.

لا تزال موجات التحريض والشيطنة تُشن ضد حزب الإصلاح، موجات متواترة تكشف انفصالًا واسعًا بين ما يُقال وما يحدث على أرض الواقع. كلما تأملنا هذا الخطاب المسموم، ازداد وضوح الفجوة بين ادعاءات الخصوم وحقيقة الوقائع الماثلة.

نعم، لا بد أن تكون العدالة أولاً، فوق كل الاعتبارات، فوق كل المصالح الضيقة، وفوق كل الحزبية التي تمزق النسيج المجتمعي. إن تطبيق الأحكام الشرعية والقانون يجب أن يكون المبدأ الأوحد الذي يُبنى عليه استقرار أي مجتمع، وأن يُرفع فوق كل شيء وقبل كل شيء.

شيّعت تعز اليوم (30 سبتمبر) جثمان الشهيدة افتهان المشهري، المرأة الاستثنائية والحديدية، التي لم تكن مجرد مدير لصندوق النظافة والتحسين في تعز، بل نموذجًا للمسؤول الوطني الذي يحترم مهامه ومسؤوليته ويعمل من أجل الناس والوطن.

ما يميز تعز أنها وهي في حالة حرب وجبهات القتال تحيط بالمدينة، لم يتخلى سكانها عن حلم الدولة المنشودة دولة العدل والقانون والمدنية.

فُجعت تعز في الأيام الماضية مرتين: الأولى باغتيال فلذة كبدها افتهان المشهري، والثانية بتسونامي أحقاد وتعزير وضغائن ومكائد أطبق كفيه عليها إبان فاجعة الاغتيال، واتخذها نصلًا حادًا لغرز الطعنات في تعز، وللنيل من وطنيتها، وتدمير كيانها وتشويه حقيقة تاريخ وقيمة جيشها الوطني وأجهزتها الأمنية والعسكرية..

لا أجد لعنة أشد وقعًا على هذه الجماعة من لعنة التاريخ الذي أرادت من خلاله اغتيال سبتمبر الجمهوري، فاكتشفت أن ما حسبته نصرًا مؤقتًا تحول إلى هزيمة رمزية ممتدة، تؤكد أن محاولات طمس الذاكرة الجمعية تصطدم بجدار الوعي الشعبي، وتتحول إلى فضيحة تتجدد في كل ذكرى.

منذ أن قرأت للمرة الأولى كتاب "الطريق إلى الحرية"، مذكرات العزي صالح السنيدار، أدركت أنني أمام نص مختلف في صدقه وعمقه وفرادته. السنيدار المثقف والثائر، الذي يصفه القاضي إسماعيل الأكوع في تقديمه للكتاب: "لم أر مثله في سعة معارفه وقوة حجته، فهو جامع لأشتات الفنون الشعبية من طرائف ونكات وقصص وأمثال صنعانية".

الوضع مربك، لكن لا أحد في تعز ـ لا سلطة ولا مجتمع ـ راضٍ عن هذه الجرائم. والواجب الوطني يقتضي الاصطفاف مع الأجهزة الأمنية، ودعمها بوعي وعزيمة، كي تتمكن من تتبع الجناة، ومحاسبة كل من يتطاول على هيبة الدولة ويشوّه صورة المدينة.